منتجعات العزاء في السودان
نحن السودانيون شعب اجتماعي و يحب التعاون في الخير و اعانة و مساعدة كل من يحتاج إلى المساعدة في وقت نزول المصائب و الحاجة و الضرورة، إلا في مصيبة واحدة تجد أن كل مظاهر النخوة و الشهامة و المروءة قد تبخرت من الناس تماما و هي مصيبة الموت. عندما يموت أحد في السودان يتم اقامة صواوين العزاء ليعزي الناس أهل الميت في فقدهم و ميتهم و لكن في السودان صواوين العزاء هذه في الحقيقة هي “منتجعات" إذ أن الحاضرين لأداء العزاء سواء من نفس المدينة أو من يأتي مسافرا من خارج المدينة و من باقي المدن المختلفة داخل و خارج السودان يأتون و يعزون لمدة دقيقة أو دقيقتان ثم يمكثون أياما و ربما أسبوعا و أسبوعين في صيوان العزاء و يتم تأجير المكيفات و السرائر و الخيم و يخدم أهل الميت هؤلاء المعزين بأطيب و أشهى المأكولات و المشروبات و الشاي و القهوة حتى تكاد تقسم أن أهل الميت هم الضيوف الذين جاؤوا ليعزوا هذه الجموع الغفيرة في صواوين العزاء. المشكلة أنه قد تصل الصفاقة و الوقاحة بالمعزين إلى أن يضحكو و يقهقهوا و ربما أيضا ينتقدون القهوة و وصفها بأنها ليس فيها زنجبيل أو قرفة أو غيره، تماما كما يصنع مرتادوا المقاهي و الفنادق !
إن الدين الإسلامي و العقل السليم يقضيان بأن تتم خدمة أهل الميت بالطعام و الشراب و أن يتم التخفيف عليهم و لا أن يصبح المعزون ثقيلي الظل لأن أهل الميت هم الحزينون و المصدومون و هم الذين قد تواجههم مشاكل في الاهتمام بأنفسهم جيدا في أوائل أيام فقدان الميت بالذات أنهم قد يهملون الأكل نفسه لأنهم على غالب الظنون أنهم قد فقدو الشهية
فعندما مات بن عم الرسول ﷺ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، نصح الناس بأن يطبخوا الطعام لأهل جعفر بن أبي طالب
و الخلاصة، صواوين العزاء نحتاج أن نجعلها صواوين عزاء لمدة محدودة جدا جدا ولا يبيت أي أحد عند أهل الميت إلا بدعوة صريحة أو إذن صريح من أهل الميت ولا نجعل صواوين العزاء منتجعات و فنادق. هي محل للعزاء، قد تشرب فيها كوب ماء و قد لا تشرب، عزي ثم انصرف و تجعل نفسك ثقيل الدم ثقيل الظل عالة على أهل الميت و على جيوبهم و وقتهم و مشاعرهم و عقولهم. المتعة و الطعام و الشراب يكونوا في الأفراح و الاحتفالات و ليس صواوين العزاء، و لكل مقام مقال.
