مشاهد عن النهايات

Ahmed El-Affendi
8 min readJan 15, 2021

الحياة غريبة و مليئة بالأشياء الجميلة و القبيحة و تلك التي لا نجد كلمات دقيقة لوصفها و أحيانا تكون سهلة و أحيانا أخرى تكون صعبة. و لكن الشيء المؤكد أن هذه الحياة الدنيا ستنتهي يوما ما إما أن تفوتك هي بأن تقوم القيامة أو تفوتها أنت بأن تموت. لذلك سأسرد لكم بعض القصص عن من سار في طريق نصرة الحق و مات عليه علها تكون لكم مُلهِمَةً و تكشف لكم زيف الحياة الدنيا الرخيصة و تنشطكم على الانجاز و التقدم في الحياة.

مصر القديمة

في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في مصر القديمة بعث الله موسى — عليه السلام —رسولا إلى بني إسرائيل و فرعون و أتى بالمعجزات من الآيات التسع التي أتت إلى فرعون وقومه من جراد و دم في كل آواني الماء فكان اليهودي يشرب الماء و لكن قوم مصر يشربون الدم و كذا الضفادع التي تأتي من حيث لا يدرون و القُمَّل و الطوفان و العصا الخشبية التي تحولت إلى ثعبان حي بروح و قلب ينبض و يده التي أخرجها لفرعون فكانت بيضاء للناظرين و شق الطريق اليابس عبر البحر و بعد هذا كله لم تنتهي معاناة نبي الله موسى — عليه السلام — فبعد كل هذه المعجزات كذبه اليهود بنو إسرائيل فعبدوا العجل المصنوع من المجوهرات و جادلوه أيما جدال و كذبوه أيما تكذيب فأمر الله عبدة العجل بالتوبة عبر قتل بعضهم البعض و اختار موسى — عليه السلام — سبعين رجلا لطلب رضوان الله فقالو: “نريد أن نرى الله “ و كذبوه فأخذتهم الصاعقة واحدا تلو الآخر بمعنى أن آخر واحد أصابته الصاعقة رأى تسعة و ستين ضربة صاعقة !

و بعد هذا أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة فرفضوا الدخول و تاهوا في صحراء سيناء و مات موسى — عليه السلام على مرمى حجر من بيت المقدس بعد أن أتى قومه بالمعجزات العظيمة و الفرصة تلو الأخرى ليكفر بنو إسرائيل عن أعمالهم الكُفرية.

احفظ هذا المشهد و سجله جيداً.

قرية سدوم

رسم تخيلي عن قرية سدوم بريشة لوكاس فان كليدان
رسم تخيلي عن هلاك قرية سدوم بريشة لوكاس فان كليدان

قد كان نبي الله لوط — عليه السلام — ينهى الرجال من قومه عن ممارسة الجنس مع بعضهم البعض و كانوا — لعنهم الله — هم أول من أحدث هذا الخرق و الشرخ و الانحراف العظيم في الطبيعة الإنسانية لهذا كانت القرية كلها ضده و كان محاطا بكتلة سكانية كاملة من المنحرفين فِطرياً بمن فيهم زوجته التي كانت تدعمهم و تشجعهم.

فخرج نبي الله لوط — عليه السلام — و باقي أهل بيته بعد أن أمره جبريل — عليه السلام — بالخروج. ثم قلب جبريل القرية — أي — قرية سدوم — بطرف جناحه رأسا على عقب و كذا أرسل الله حجارة على قوم لوط كل حجر مكتوب فيه اسمه ليقتله.

احفظ هذا المشهد و سجله جيدا.

فلسطين القرن الأول الميلادي

القدس -حائط البراق

لم ينتهي عناد بني إسرائيل و كفرهم بالإله الموحد و تكذيبهم للأنبياء منذ موت نبي الله موسى — عليه السلام — بل اشتد عدائهم إلى مرحلة (القتل).

في القرن الأول من ميلاد عبد الله و نبيه عيسى — عليه السلام — مشهدان قاسيان. و هما استشهاد النبيين زكريا و ابنه يحيى — عليهما السلام. يُروى أن اليهود قد كرهو نبي الله زكريا — عليه السلام — و ا شتد بهم الكره لدرجة القتل فلاحقو زكريا — عليه السلام — حتى دخل غابة من الغابات فوجد شجرة كبيرة قد فُتِحت له فدخل فيها و اختبأ ثم أغُلقت الشجرة و لكن إبليس كان حاضرا في الزمان و المكان نفسه فدل بني إسرائيل على الشجرة التي اختبأ فيها زكريا كما دل آدم و حواء على الشجرة المنهية في الجنة فجاؤوا بالمنشار فنشروا الشجرة و زكريا — عليه السلام — نصفين فمات.

يا من يُجادل بالقانون ظالمه * أدانت الروم عيسى بالقوانين

تميم البرغوثي

و يُروى أن الوالي الروماني على القدس و ما حولها هيرودس قد وقع في حب فتاة يهودية اسمها هيروديا و كان ينوي الزواج بها إلا أن نبي الله يحيى — عليه السلام — قد وضح أن عقد الزوجية بينهما إن تم فهو باطل في شريعة بني إسرائيل. فنقمت عليه هيروديا و ذهبت إلى هيرودس و طلبت منه رأس يحيى مهراً لزواجها. و قد فعلها هيرودس فقتل يحيى — عليه السلام — و جَزَّ رأسه و أهداه إليها مهراً للزواج بها.

احفظ هذين المشهدين و سجلهما جيداً.

المدينة المنورة في القرن الهجري الأول

المدينة المنورة — المسجد النبوي

بعد عهد طويل من حكم الفاروق عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — في الخلافة الراشدة و عدله و صرامته و فتوحاته و أنظمته الادارية و كان مبشرا بالجنة و شهد النبي له بالعبقرية إذ قال عليه الصلاة و السلام : (رأيتُ النَّاسَ اجتمَعوا فنزعَ أبو بكرٍ ذنوبًا أو ذنوبَينِ فيهِ ضعفٌ واللَّهُ يغفرُ لَهُ ، ثمَّ قامَ عُمرُ فنزعَ فاستحالَت غربًا ، فلم أرَ عبقريًّا يفري فِريَهُ حتَّى ضربَ النَّاسُ بالعَطَنِ) و بعد أن قيلت فيه المقولة الشهيرة:

حكمت عدلت أمنت فمنت يا عمر

مات مقتولا بطعنات خنجر أبو لؤلؤة المجوسي داخل المسجد النبوي بالمدينة المنورة و هو يصلي بالناس صلاة الفجر.

و كذا عثمان بن عفان — رضي الله عنه — رجل مبشر بالجنة و قال النبي عليه الصلاة و السلام فيه : (ألا أَستَحي من رجلٍ تستَحي منه الملائكةُ ؟ — يعني عثمانَ) و قال أيضا عن عثمان عندما جهز جيش العسرة المكون كاملا من الصحابة رضوان الله عليهم لقتال البيزنطيين في تبوك :( ما ضرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليومِ) و كان محبوبا لدى قريش حتى قبل الإسلام لكرمه و صدقاته و التي زادت بعد دخوله الإسلام. وكان قد تزوج باثنتين من بنات الرسول محمد — صلى الله عليه و سلم — و فتح وسط آسيا و شمال إفريقيا و لكن بعد ذلك كله تم حصاره في بيته بالمدينة المنورة و مُنع منه الطعام و الماء وتم قتله على يد شرذمة من العرب الذين غاروا من الولاة القرشيين على البلاد المسلمة. قتلو عثمان بالسيف و عندماجاءت زوجته لتدافع عنه قطعوا أصابعها ثم توالت الضربات بالسيف على جثة عثمان بن عفان حتى إذا خرجت روحه أخذوا يهشمون عظامه.

احفظ هذين المشهدين و سجلهما جيدا.

الكوفة في القرن الهجري الأول

الكوفة — مسجد الكوفة الكبير

قد كان علي بن أبي طالب — رضي الله عنه — من ضمن أول عشرة من بني الإنسان الذين دخلو في الإسلام و تم تبشيره بالجنة و حبه علامة من علامات الإيمان و بغضه علامة من علامات النفاق و فدى نفسه مكان الرسول — عليه الصلاة و السلام — بالمبيت في مكانه يوم الهجرة و قال له النبي : ( أَنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي.) و قتل عمرو بن ود في غزوة الخندق و تزوج من فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت النبي عليه الصلاة و السلام.

بعد هذا كله عند ظهور الخوارج بالعراق يقفون صفين من باب بيته إلى باب المسجد و يقولون له: يا كافر

و خذله جيشه عندما أراد مواجهة جيش الشام (الفئة الباغية) و قال في جيشه الذي خذله:

وَاللهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِن اجْتِمَاعِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَن حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً، حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْنَ! فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ (الصّيف) قُلْتُمْ: هـذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ عَنَّا الْحَرُّ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ : هـذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ; أَمِْهلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ; كُلُّ هذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ ; فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!
البرم بالناس
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الأطفال، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً، وَاللهِ، جَرَّتْ نَدَماً وَأَعَقَبَتْ سَدَماً (ذمّاً). قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلأتُمْ قَلْبِي قَيْحاً، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخذْلاَنِ

.و في النهاية مات شهيدا و هو يريد أن يصلي الفجر في الكوفة

احفظ هذا المشهد و سجله جيداً.

مفاتيح غرناطة

محمد الصغير يسلم مفاتيح غرناطة لفيرديناند و إيزابيلا

في القرن الخامس عشر الميلادي تم تسليم مفاتيح غرناطة لمملكة قشتالة و آراغون الكاثوليكية من قِبَل محمد الصغير.

و لكن كان هناك رجل واحد رفض فكرة الانهزام و هو موسى بن أبي الغسان و قد تنبأ أو قل توقع بما سيحدث للمسلمين بعد تسليم غرناطة بالتفصيل الدقيق إذ قال:

إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا وتدميرها وتدنيس مساجدنا وأمامنا الجور الفاحش والسياط والأغلال والأنطاع والمحارق، وهذا ما سوف تراه تلك النفوس الوضيعة التي تخشى الآن الموت الشريف، أما أنا فوالله لن أراه

و قد حصل المجازر و التعذيب و محاكم التفتيش في فجر إسبانيا الكاثوليكية

و قال موسى واعظا قومه:

لنقاتل العدو حتى آخر نسمة، وإنه خير لي أن أُحصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن غرناطة من أن أُحصى بين الذين شهدوا تسليمها

و قال:

اتركوا العويل للنساء والأطفال، فنحن لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ولكن لتقطر الدماء، وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعا عنها

و انتفض الفارس موسى بن أبي الغسان وحيدا لابساً درعه و ممتطياً حصانه و انقض على مجموعة من الفرسان النصارى الكاثوليكيين حتى مات و نال شرف “المدافع الوحيد عن غرناطة”.

احفظ هذا المشهد و سجله جيدا.

النهاية الناعمة للحياة الشرسة

حمص/ سوريا — مكان وفاة خالد بن الوليد

قد جاهد خالد بن الوليد — رضي الله عنه — المرتدين في جزيرة العرب حتى سلمها لأبو بكر الصديق كيوم كانت مسلمة و قاتل الفُرْس في العراق و البيزنطيين في سوريا و الأردن و فلسطين و دخل في معارك كثيرة و لكن في نهاية المطاف مات موتاً طبيعياً على سريره و قال:

لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء.

خالد بن الوليد — رضي الله عنه

الخلاصة

إذا كان هو حال خير خلق الله الذين هم أشرف مننا من الابتلاءات فما بالنا نحن العصاة نتذمر عما يحصل لنا!؟

و اسألوا الله العافية. العافية شيء طيب :)

و إذا كان ما تفعله أو تقوله صوابا فافعله و قل و ليذهب العالم للجحيم. و الحياة الدنيا كاذبة قصيرة مُرَّة كالحنظل و زائفة املأها بالانجازات و المشاريع و كذلك لا تهمل مصيرك يوم القيامة و لو بأن تجتنب الظلم بأشكاله و تعمل العمل الصالح القليل.

--

--

Ahmed El-Affendi

I’m a coffeholic foodie data journalist, data scientist & analyat, writer, & storyteller. Interested in cinematics, language learning, books reading, & culture.