العمل في وقت الأزمات
قد تندلع الحروب و تحصل الأوبئة و الكوارث الطبيعية و تتعطل الكثير من مظاهر الحياة اليومية لكن شيئا واحدا لن يتعطل أبدا مهما ساءت الظروف و الأحوال و هو طلب الرزق و كسب المال.
مسيرتي العملية الاحترافية ربما يمكن يصح أن يتم تسميتها ب”مسيرة العمل في الأزمات” حيث بدأت مسيرتي العملية في منتصف عام 2019 في وقت الثورة السودانية و فض اعتصام القيادة العامة حيث عملت كمتدرب عن بعد في مجال تحليل البيانات عبر الانترنت ثم بدأت أعمل في وظيفة ثابتة أيضا في مجال تحليل البيانات في أواخر 2019 و كنت سعيدا بها إلى أن اجتاح وباء كورونا العالم بأسره و بسبب كورونا لم يتم لا تثبيتي ولا رفع راتبي الشهري، ثم عملت بشكل مستقر في وظائف أخرى عبر الانترنت عن بعد في تحليل البيانات و العمل الاداري في مكان مكتبي إلى أن جاءت أواخر عام 2021 حيث رجعت للسودان من الخارج بشكل نهائي لظروف خاصة. و في السودان بدأت مسيرة جديدة و هي مسيرة العمل الحر بتقديم خدمات تحليل البيانات و جمع البيانات و الرسوم البيانية و البحوث و كانت مسيرة طيبة و نجحت فيها نجاحا باهرا إلى أن جاء يوم الثالث عشر من أبريل من عام 2023 و اندلعت الحرب في بلدي السودان.
لذلك أجد نفسي مع تقلب أحوالي في هذه الحياة صاحب خبرة و لو بسيطة في “العمل في الأزمات” و أردت أن أشارككم عددا من الدروس التي تعلمتها و النصائح التي قد تنفعكم إن مررتم بظروف متقلبة مثلي عافانا الله و إياكم من السوء و لكن الحيطة و الاستعداد و الحذر واجب في هذه الدنيا الغدارة. في هذا المقال سأذكر لكم بعض النصائح المختصرة التي قد تساعدكم في تفادي صعوبة كسب المال و الرزق الحلال في أوقات الأزمات.
في أوقات الأوبئة و الجوائح العامة سواء كانت عالمية أو محلية تحتاج أن تعمل في وظائف عن بعد و عبر الانترنت و كثير من المهندسين و أصحاب الأعمال التي تستوجب الحضور الشخصي وجدوا أنفسهم بدون عمل و بدون مال و لو كانوا محظوظين في بلدان غنية قد يتلقون مساعدات من الحكومة أو يجدون عملا عبر الانترنت بكل أريحية. و هنا تأتي مسألة الهوية الرقمية الشخصية و هي أمر ضروري جدا لكل من يريد أن يعمل عبر الانترنت ولابد من وجود ملف مشاريع خاص بك ولابد أن يكون لديك موقع الكتروني سواء كان عبر ووردبرس الذي يسمح لك صناعة موقع بصفحات و خصائص متعددة أو لينكتري الذي لا يسمح لك إلا بصفحة واحدة أو غيرهما من منصات المواقع الالكترونية المتاحة. و هناك العديد من المقررات التي تشرح مسألة الهوية الرقمية الشخصية و العمل الحر عبر الانترنت.
أما في أوقات الحروب و ما أدراك ما أوقات الحروب، فإنه لا يصلح أي عمل يعتمد على الكهرباء أو الانترنت لأنه دائما ما يستهدف الأعداء شبكات الاتصالات و شبكات الكهرباء حتى يعطلوا مسيرة عمل الدولة و يمزقوها. لذلك لا يصلح في وقت الحروب إلا الحرف اليدوية مثل الحلاقة و النجارة و الزراعة و الحدادة و رعي المواشي و الخياطة و بناء البيوت و صناعة الفخار و طب الأعشاب و غيرها. و ربما الوظائف الوحيدة التي قد تستمر في أوقات الحروب هي الوظائف في مجال الطب البشري و البيطرة نظرا لأنهما لا يعتمدان لا على الانترنت ولا على الكهرباء و احتياج الناس إليهما يرتفع في وقت الحروب و ربما يكون هناك وظائف أخرى شبيهة. و ستحتاج إلى معرفة طرق حياة المجتمعات الانسانية في عصر ما قبل اكتشاف الكهرباء و الانترنت و النفط و الفحم لأن كل الموارد التي كانت متاحة لهم ستكون متاحة لك في وقت الحروب و يجب عليك أن تودع روتين الحياة الحديث في وقت الحرب لأنه ليس هناك أي شيء طبيعي أو مدني أو حديث في وقت الحرب و ستعاني بصورة أكبر إن لم تتواضع و ترجع عدة عصور إلى الوراء حتى تعيش حياتك اليومية بصورة سلسلة مثلما فعلت الأجيال التي قبلنا في عصور ما قبل الكهرباء و الانترنت و الاتصالات و الراديو و النفط و الفحم و هذا لا يعني بالضرورة العودة للعصور الحجرية، العصر الذي كان يعيش فيه جدك المباشر كافي لك بأن تستلهم منه طرق الحياة اليومية. و تفحص المجتمع الذي تعيش فيه و انظر ما هي ثقافته و تقاليده و عاداته اليومية و الشهرية و السنوية لأنه مسألة اختيار و تعلم الحرفة اليدوية أو العمل الذي لا يعتمد لا على الانترنت أو الكهرباء يعتمد بشكل كبير جدا على عادات و تقاليد و ثقافة المجتمع الذي اخترت أن تعيش فيه في وقت الحرب. و الحرفة اليدوية هنا لن تتعلمها عبر الانترنت كما كنت تعتاد، عليك أن تتعلمها من حرفي ماهر و عليك أن تدفع له المال أو تعرض عليه العمل معه بالمجان لفترة معينة متفق عليها في مقابل أن يعلمك صنعته و حرفته اليدوية.
أما في أوقات الاضطرابات السياسية و الأمنية مثل الثورات أو حظر التجوال أو أي شيء آخر، فإنك ستحتاج أن تمزج بين نموذج العمل في وقت الأوبئة عبر الانترنت و بين نموذج العمل في وقت الحروب المنقطع عن مظاهر الحياة الحديثة.
و لدي لفتة أخيرة لكم و هي: ستقضي وقتا طويلا جدا جدا جدا حتى يأتي اليوم الذي تتوظف فيه مرة أخرى في أوقات الأزمات أو تجد أي نوع من أنواع العمل و مصادر الدخل في وقت الأزمات لذلك عليك بتشبيك العلاقات و التعلم المستمر و قراءة الكتب و اكتساب المهارات المتعددة و الترفيه عن نفسك و ممارسة الهوايات و إلا سيقتلك الضجر و الملل. ولا تستجدي أحدا و إياك إياك أن تلعب دور الضحية حتى لو كنت ضحية حقا لأن دور الضحية سيزيد من معاناتك و مصائبك و مشاكلك و لن يحلها أبدا. عوضا عن ذلك اعمل على تخفيف الصعوبات و المشاكل في حياتك باستخدام الموارد المتاحة.
كانت هذه اضاءة سريعة مني لكم في مسألة العمل في أوقات الأزمات مثل الأوبئة و الحروب و أتمنى أن تكونوا قد استفدتم من مقالي هذا.