المخدرات: طاعون السودان الجديد

Ahmed El-Affendi
6 min readOct 16, 2022

--

المصدر: https://twitter.com/YAKAM_dudes/status/1223324588429529093?s=20&t=XYQDi2aKgLJDXaZaXAOlnA. رسمة بريشة و ألوان يوسف الأمين. @yakam_dudes

يمر المجتمع السوداني بعقبات و صعوبات كثيرة جدا تقف بينه و بين الاستقرار النفسي و المادي مما يجعل المخدرات عند بعض الناس ملاذا آمنا للحصول على شيء من الشعور بالسعادة عبر استهلاك المخدرات أو الحصول على المال عبر التجارة في المخدرات.

لا توجد بيانات دقيقة حول عدد المدمنين للمخدرات و لكن أحدث إحصائية تبين أن هناك 13 ألف حالة ادمان مسجلة في ولاية الخرطوم و 3 آلاف من هذه ال 13 ألف حالة كانت بسبب مخدر واحد و هو مخدر الآيس و أدخلت أصحابها إلى مستشفى التجاني الماحي لتلقي العلاج بالخرطوم. و ينتشر ادمان المخدرات بين الشباب و البنات على حد سواء. و أكثر الظواهر المخيفة التي انتشرت بين مدمني المخدرات هي أنه عندما ينتهي مخدر الآيس من السوق ولا يكون متوفرا يبيع المدمنون لمخدر الآيس للمدمنين الآخرين أو يتم تبادله بالمجان بين المدمنين أو مقابل مصالح أخرى. و يتم سحب الدم بالحقن و ادخاله في عروق المدمنين الآخرين في نمط لا يمكن أن يتم تشبيهه إلا بالخيال كقصة دراكولا و مصاصي الدماء.

تنتشر في السودان عدة مخدرات من أنواع مختلفة و هي: البنقو (القنب) و الآيس و سيليسيون و ترامادول و بينزوديازيبين و (الخرشة) ترايهيكسفينيديل و أدوية الأمراض النفسية (التي يتم استخدامها بدون روشتة أو حتى حاجة لها) و الأمفيتامين و الميثافيتامين و الكوكايين و الششبندي و لكن يٌعتبر أخطرها هو مخدر الآيس الذي يجعل المتعاطي مدمنا من أول مرة و خطورته تكمُن في أنه يؤدي إلى فشل الكبد و اتلاف و فشل أعضاء حيوية في جسم الإنسان.

الشرطة و القانون

عادة ما يتم سجن من يتعاطى المخدرات عدة سنوات أو ارساله إلى مركز علاجي أو إعادة تأهيل و هذا هو الفرق في التعامل مع تاجر المخدرات و بين متعاطي المخدرات.

و من أغرب الظواهر السالبة المدمرة مؤخرا التي لها علاقة بالمخدرات كانت ظاهرة منطقة “كولومبيا” بالخرطوم حيث كان الناس يتعاطون فيها المخدرات بصورة علنية بدون أي مسائلة قانونية أو أمنية أو حتى استنكار اجتماعي لفترة من الزمن و لكن و مع الأسف كان رد فعل الحكومة أكثر غرابة و أفظع جريمة فحينما قررت الحكومة الانتقالية الانقلابية التعامل مع هذه الظاهرة بعنف دموي مفرط و قاتل في الثالث من يونيو في العام 2019 كانت نتيجتها قتل الكثير من الأبرياء ما بين منطقة كولومبيا بالخرطوم إلى أبواب القيادة العامة للجيش السوداني و لم يتم التعامل معهم كمرضى و ارسالهم إلى مراكز علاجية و إعادة تأهيل و تم اتخاذها كذريعة لقتل المزيد من الأبرياء خارج منطقة كولومبيا الذين ليس لديهم علاقة بالمخدرات.و قد وجهت السلطة القضائية إلى زيادة المحاكم الخاصة بالمخدرات .

الدور الحكومي

الهيئات الحكومية التي تعمل في مكافحة المخدرات تشمل الإدارة العامة لمكافحة المخدرات و اللجنة القومية لمكافحة المخدرات و المجلس القومي للأدوية و السموم و الإدارة العامة للأدلة الجنائية بالشرطة. و تم انشاء حملة حكومية هذا العام لمكافحة المخدرات في السودان.

عصابات المخدرات

عصابات المخدرات في السودان لديها مواسم زراعية خاصة تزرع فيها مخدراتها محليا و هي قادرة على حماية نفسها بنفسها و تستطيع أن تصنع كمائن مسلحة لقوات الشرطة كما حدث في جنوب دارفور عندما تم قتل أربعة عشر عنصرا من قوات الشرطة.

اعادة التأهيل و العلاج

هناك عدد من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي و أيضا الدعاة و الشيوخ المسلمين سواء في حملات رقمية أو على أرض الواقع أو بدون حملات منظمة للمبادرة بتوعية مخاطر المخدرات.

يفكر مدمني المخدرات بجدية في تلقي العلاج و التعافي من ادمان المخدرات إلا أن الوصمة الاجتماعية تشكل عائقا أمامهم إذا ما عرف الناس حولهم بمشاكل ادمانهم للمخدرات بالذات عندما يتعلق الأمر بعملهم الوظيفي أو ريادة الأعمال لطلب الرزق.

أيضا تُعتبر تكاليف العلاج عائقا صعبا جدا أمام التحاقهم بالبرامج العلاجية و أيضا تُعتبر الملاحقة القانونية و السجن عقبة من العواقب أمام بداية العلاج. و لكن أعنف هذه العقبات هي الوصمة الاجتماعية التي تلاحق مدمني المخدرات إذ أن السودانيين لديهم نزعة إلى نزع الإنسانية عن كل شخص يقع في خطأ ما و إن كان خطأ شخصي و هذا ليس له علاقة الدين الإسلامي لأن الدين الإسلامي يأمر بعدم نزع الإنسانية مع من يقعون في مثل هذه الأخطاء.

“النظرة والوصمة الاجتماعية من العائلة والمجتمع كلاهما سبب أساسي في الإصابة بالأمراض النفسية حتى و إن لم يكن الإنسان يتعاطى أي مواد مخدرة أو تسبب الإدمان فما بالك بالمتعاطي؟ متعاطي المخدرات أو المدمن للمخدرات يمكن علاجه بطريقة أسرع إذا قلل المجتمع من نظرته الدونية تجاهه فلذلك يتم علاج متعاطي المخدرات في أماكن مغلقة مثل مستشفى الإدريسي لعلاج الإدمان ومركز حياة لعلاج الادمان والتأهيل”

- مبادرة سامعنك ، مبادرة تعمل على توعية المجتمع السوداني بالصحة النفسية

هناك عدة مراكز لاعادة تأهيل و علاج مدمني المخدرات منها مستشفى إبراهيم مالك و مستشفى التجاني الماحي بولاية الخرطوم و لكن المعلومات عن باقي المراكز ربما تُعتبر قليلة جدا نسبة للفساد المالي المستشري في السودان الذي يُجهض بدوره أي مشروع خدمي مثل انشاء مستشفيات و مراكز علاجية متخصصة في علاج مدمني المخدرات حول السودان كله.

و أضافت مبادرة سامعنك عن علاقة المخدرات بالأمراض النفسية:

“هناك تشخيص اسمه التشخيص المزدوج و عادة ما يكون في الإدمان و أي مرض نفسي آخر. هنا لدينا نقطة يجب أن ننتبه لها جدا وهي أن هنالك أمراض نفسية ناتجة عن إدمان المخدرات و هنالك ادمان بسبب وجود الأمراض النفسية. في الحالة الأولى يتم علاج الإدمان أولا لأنها التشخيص الرئيسي أما المرض النفسي هو التشخيص الفارق فتقل أعراض بعد علاج الاضطراب الرئيسي و لكن لا يمكن علاج الأمراض المزمنة التي يسببها الادمان علاج نهائي فالأمراض النفسية المزمنة مثلها مثل السكري والضغط تحتاج إلى تنظيم ومحافظة ولا علاج لها مثل مرض الفصام. أما في الحالة الثانية يتم علاج المرض النفسي أولا ومن ثم علاج الادمان. يمكن للإدمان أن يتعالج ولكن رحلة العلاج طويلة جدا قد تستمر لسنوات والمرض النفسي المزمن يمكن التعايش معه مع استخدام الأدوية والعلاقة بين الادمان والامراض النفسية علاقة متبادلة”

مصادر المخدرات

تتم زراعة المخدرات في مزارع خاصة بها في عدة مناطق بالسودان و هي مملوكة لعصابات مسلحة متخصصة في تجارة المخدرات كما هو الحال في منطقة الردوم التي تقع جنوب دارفور و مساحة مزارع مخدرات البنقو هناك تعادل تقريبا 34 كيلومتر مربع و

لكن المحير و الغريب في الأمر و السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف لمزارع بهذه المساحة الضخمة التي تعادل مساحة بلجيكا أو ثلث مساحة جمهورية البرتغال أن تكون موجودة أصلا في السودان؟ أين هي قوات الجيش السوداني و الشرطة السودانية و الاستخبارات السودانية التي يتغنى بحفظ أمن البلاد و أهلها؟

الجيش السوداني لديه سلاح جوي و المنطقة معروفة أنها مزروعة بالمخدرات و مملوكة لتجار مخدرات و عقوبة تجارة المخدرات هي الإعدام فليس هناك رادع أخلاقي أو قانوني لمداهمة هذه المنطقة جويا. و لكن هنا نطرح سؤال جديد: هل هناك جهة حكومية منتفعة من زراعة االبنقو في مساحة جغرافية تعادل مساحتها ثلث مساحة جمهورية البرتغال داخل السودان؟

و أيضا هناك مصادر خارجية للمخدرات التي تأتي عبر غرب إفريقيا بالبر من الغرب الجغرافي و عبر البحر الأحمر من لبنان. كما تشكل سوريا مصدر منتعش للمخدرات مثل الكبتاغون حيث تتم زراعة المخدرات و تصنيعها و فقا لتقرير صوره موقع فايس أن المخدرات يتم تصنيعها بعلم من الحكومة السورية و بصورة علنية لأنها تُعتبر مصدر دخل هام جدا لحكومته و لدفع مرتبات عناصره العسكرية و الأمنية القمعية التي تخدمه بعد أن تم حصاره اقتصاديا و إعلاميا و دبلوماسيا مما يجعل سوريا مصدر تهديد عابر للحدود و يصل خطرها إلى السودان.

و كذلك إثيوبيا تُعد مصدرا للمخدرات. و من مصادر المخدرات الخارجية هي دول الهلال الذهبي (إيران و أفغانستان و باكستان).

و لكن يبقى هناك سؤال محير و هو: هل هناك سوق رقمية خفية خاصة بتجارة المخدرات في السودان؟ و ما هو حجم هذا السوق الرقمي؟ و هل هو عابر للحدود أم أنه محلي؟

الخاتمة

مشكلة ادمان المخدرات في السودان تحتاج إلى تظافر جهود و تعاون بين كل الأطراف الحكومية و الخاصة لتوعية الناس بخطر المخدرات و تشجيع المدمنين على تلقي العلاج و بداية حياة جديدة و نزع وصمة العار عمن يريد أن يتعالج من هذه المشكلة. و لابد من تدخل القوات الأمنية لابادة مزارع القنب الواقعة جنوب دارفور و تشديد الرقابة على المطارات و الموانئ و المعابر البرية. و لكن كان و لا يزال أعظم حل لمشكلة المخدرات هو إزاحة و منع أسباب تعاطيها في المقام الأول و عدم التساهل و التسامح معها مثل التفكك الأسري و الوضع الاقتصادي المزري و الوضع السياسي غير المستقر و النزاعات المسلحة و النزوح.

--

--

Ahmed El-Affendi

I’m a coffeholic foodie data journalist, data scientist & analyat, writer, & storyteller. Interested in cinematics, language learning, books reading, & culture.